نساء نغابي يشعلنَ ثورة لتحقيق المساواة بين الجنسين والحصول على الرعاية الصحية

بنما

نساء نغابي يشعلنَ ثورة لتحقيق المساواة بين الجنسين والحصول على الرعاية الصحية

“غالباً ما ينبع السبب الرئيسي لوفيات الأمهات من عدم قدرة الزوج على اصطحاب زوجته للحصول على الرعاية.”

تحرص إيرا كاريرا على أن تكون كلمة نساء نغابي مسموعة في النظام الصحي وأن يحظينَ بالاحترام فيه، كما أنّها تغنيهنّ بالمعرفة حول حقوقهنّ. حقوق الصورة: © صندوق الأمم المتحدة للسكان/ريبيكا زرزان

"رحلتنا امتدّت لثلاث ساعات سيراً على الأقدام"، بهذه الكلمات العادية وصفت إينيدا البالغة من العمر 25 سنة رحلةً أكملتها في الجبال الوعرة بينما كانت في الشهر التاسع من حملها لكي تصل إلى دار استقبال الحوامل قبيل الولادة، أو ما يعرف باللغة المحلية باسم كاسا ماتيرنا.

تعيش إينيدا في منطقة نائية اسمها كوماركا نغابي بوغلي، تقع في أعالي جبال بنما الغربية وتقطن فيها مجموعتا نغابي وبوغلي من السكان الأصليين. فالطرق المعبّدة في كوماركا معدودة وهي مليئة بالحفر، لدرجة أنّ بعض السكان يتنقلون من مكان إلى آخر على صهوة الخيل، وفيما يختار معظم النساء التنقل سيراً على الأقدام، إلا أنّ الكثيرات من النساء الحوامل يلدنَ في البيت لهذا السبب. لا عجب في أنّ منطقة كوماركا تسجّل أعلى معدل لوفيات الأمهات في بنما.

اختارت إينيدا أن تنتظر حتى آخر أيام حملها في كاسا ماتيرنا دي سان فيليكس، وهي دار لاستقبال الحوامل قبيل الولادة يتم فيه تقديم الطعام والرعاية الصحية والنقل في إطار خدمات الولادة الآمنة. وهي تصف هذه الدار قائلة: "يعجبني هذا المكان، إنّه جميل جدّاً".

تتوفر خدمات كثيرة للصحة الجنسية والإنجابية في كوماركا منها دار استقبال الحوامل قبيل الولادة. ولم تكن تلك الخدمات لتتوفر لولا الجهود الحثيثة التي بذلتها جمعية نساء نغابي التي تشكّلت منذ ثلاثين سنة لغرض مختلف تماماً. ففي ذلك الحين أي في تسعينات القرن العشرين، كانت نساء المجتمع تبحثنَ عن أمر مختلف بالكامل: سوق لبيع صناعاتهنّ الحرفية.

توضح جيرتروديس سير، رئيسة جمعية نغابي: "بدأنا آنذاك نجتمع ونحدد مشاكلنا واحتياجاتنا". وسرعان ما اتّضح للنساء أنّ أبرز الحواجز التي تعوق خروجهنّ من بوتقة الفقر لم تكن حواجز اقتصادية وإنما إنجابية. تتذكر سير: "لقد أثارت نساءُ المجتمع مشكلة أنّ لديهنّ الكثير من الأطفال". فعندما كانت المرأة غير قادرة على شراء الطعام لأطفالها، كانت تسمّي تلك المشكلة "يوليو" (الشهر الذي تحتفل فيه بنما بيوم الطفل والأسرة) لتعبّر عن وجود مشكلة روتينية في تأمين الغذاء لأطفالها. فتقول مثلاً "’لديّ يوليوهات كثيرة في بيتي‘، ولكن ما المقصود من كلمة "يوليو" بالظبط؟ كانت هذه التسمية طريقة للتعبير عن مشكلة الجوع الراسخ في المجتمع والذي يتفاقم مع كثرة الأطفال. ففكرت تلك النساء آنذاك كيف يمكنهنّ تجنّب الوصول لهذا الوضع؟ إنجاب عدد أقل من الأطفال."

بدأت احتياجات الصحة الجنسية والإنجابية تظهر للعلن شيئاً فشيئاً. "لاحظنا أنّ النساء يلقينَ حتفهنّ في بيوتهنّ أثناء الولادة، ولم يكن هناك أي خطة لنقلهنّ بسبب عدم وجود مستشفى للأمهات والأطفال داخل المنطقة." فتواصلت الجمعية مع وزارة الصحة وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وعملت الجهات الثلاث لإنشاء شبكة من العالمين في مجال الصحة بُغية تقديم الرعاية وإذكاء الوعي حول صحة الأمهات ووسائل تنظيم الأسرة وتغذية الأطفال. وتقول: "لقد قدّمنا محادثات حول هذه الموضوعات وكانت تجربة حقيقية وملموسة بالنسبة للنساء".

لعلّ المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994 شكّل أبرز اعتراف بالعلاقة المتداعمة بين المساواة بين الجنسين والصحة الجنسية والإنجابية والتمكين الاقتصادي. إلا أنّ تجربة جمعية نساء نغابي تبيّن أنّ هذه العلاقة المتداعمة تحققت أيضاً في أقاصي زوايا العالم عندما بدأت النساء يفكّرن بتنظيم أسرهنّ والاستثمار بمستقبل أفضل لأنفسهنّ ولمجتمعاتهنّ. عملت جمعية نساء نغابي بشكل مستقل على رأس مجتمعها من أجل إطلاق العنان لحلقة مثمرة قائمة على الاستقلالية الإنجابية والصحة المحسّنة والحد من الفقر.

أمّا إيرا كاريرا فهي مترجمة فورية متعددة الثقافات تعمل في مستشفى خوسيه دومينغو دي أوبالديا للأمهات وصِغار الأطفال وقد بدأت مسيرتها المهنية كعاملة في مجال التوعية الصحية بكوماركا. تتذكّر قائلة: "كان ذلك بين عامَي 1996 و1998 عندما اشتملت حملات التوعية على موضوعات الصحة الجنسية والإنجابية والتي تضمّنت الأمراض المعدية المنقولة جنسياً، وفحص مسحة عنق الرحم (لُطاخة بابانيكولاو)، وكل ما يتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية وتنظيم الأسرة والعنف الأسري وحتى الأبوّة المسؤولة". تقبّلت النساء هذه الرسائل أكثر من الرجال، فبينما سعت النساء عموماً للاستفادة من خدمات تنظيم الأسرة "لأنّ تلك كانت حاجة بالنسبة لهنّ" على حدّ قول كاريرا، كان الرجال أقل تقبّلاً لهذه الخدمات إذ "لم يرغبوا بالاستفادة من هذه الموارد".

شهدت العقود الثلاثة المنصرمة بعض التقدم في هذا الصدد، وعندما سئلت كاريرا عمّا إذا كانت نساء نغابي يذكرنَ أنّهنّ يتّخذنَ قراراتهنّ الخاصة بشأن وسائل تنظيم الأسرة، أجابت: "من بين كل 10 نساء، هناك 8 منهنّ تقريباً يقلنَ نعم". ولكن العمل لم ينتهِ بعد، تتفاقم هيمنة الذكور بشكل كبير بسبب ما يواجهه المجتمع من تمييز إثني. فمنذ وقت ليس ببعيد، كان يتوقع من أفراد مجتمع نغابي أنّ يجلسوا على المقاعد الخلفية من حافلات النقل عندما يخرجون من كوماركا. وحتى اليوم لا تتوفر لديهم سوى فرص عمل ضئيلة حيث يعيش الكثير من رجال نغابي من هجرتهم للعمل في حقول البُن.

أمّا بالنسبة للنساء فإنّ الآثار الناجمة عن التداخل بين التهميش الإثني وانعدام المساواة بين الجنسين.لا زالت فتّاكة. يوضح أومبيرتو رودريغيز أحد الممرّضين العاملين في مقاطعة نولي دويما: "تحدث معظم وفيات الأمهات تحديداً لأنّ الزوج لم يتمكّن من نقل زوجته للمكان المناسب كي تتلقّى الرعاية اللازمة". بتلك العبارات وصف النساء اللواتي لقين حتفهنّ عندما دخلنَ في مرحلة المخاض أثناء سفرهنّ لتلقّي الرعاية. ويضيف قائلاً: "لا يكون الرجل موجوداً في البيت حينها والقرار ليس بيدها".

توضح كاريرا أنّ الأنظمة الصحية كانت هي أيضاً تساهم في إضعاف نساء نغابي. وكان الأطباء يستلمون الملف ويعالجون المرأة. فإذا رفضت التجاوب معهم يتم حرمانها من الرعاية أو يتم إجبارها أو إكراهها على تلقي الرعاية بما يشكل انتهاكاً لحقوقها... أمّا اليوم فالوضع تغيّر بالكامل". تقدّم كاريرا اليوم خدمات الترجمة الفورية بين موظفي قطاع الصحة الناطقين باللغة الإسبانية والمرضى الذين يتحدّثون لغة نغابي. كما أنّها تدرّب موظفي المستشفى على العمل بطريقة مراعية للاعتبارات الثقافية. توضح كاريرا أنّ النساء سيوافقنَ دائماً على تلقي الرعاية عندما يتلقين معاملة تحفظ كرامتهنّ وتحيطهنّ بالمعلومات اللازمة.

تريد كاريرا من النساء أيضاً أن يفهمنَ ما تعنيه الاستقلالية الجسدية في سياق علاقاتهنّ وتوضح: "أخاطب النساء هنا وأقول لكل واحدة أنّك لست مجبرة على إقامة علاقة جنسية مع زوجك ما دمتِ لا ترغبين بذلك، فهذا يُسمّى انتهاك جنسي. لا زال علينا أن نبذل جهوداً حثيثة في هذا المجال".

تؤكّد سير أنّ هذه القضايا ليس محصورة في مجتمع نغابي وتقول: "إنّ هيمنة الذكور لن تزول والتمييز لن ينتهي، هذه الأشياء موجودة في كل مكان... وهي دروس جعلتنا نتمتّع بالصلابة أنا وزملائي في الجمعية، لدينا دروع واقية".

إينيدا التي تنتظر مولودها الثالث هي أيضاً تتمتع بدرعٍ واقية رغم أنّها لا تدافع عن نفسها أمام الآخرين بل تقابلهم بابتسامة وذهنية منفتحة، ثقتها بنفسها هي الدرع الواقية. فعندما سُئِلت عمّا إذا كان شريكها سيدعمها في أي قرار تتّخذه لتنظيم أسرتها، أجابت بدون تردد: نعم. بالطبع، أيّاً كان قراري."

الأعمال الفنية

تُستخدم المنسوجات لإذابة الحواجز بين ما هو جميل وبين ما هو تطبيقي، ولإذابة الفوارق بين الحرفية والجمالية، لطالما لجأت الحركات النسائية إلى نسج الأقمشة لتسليط الضوء على مجموعة من القضايا مِن بينها النظرة إلى الجسد بطريقة إيجابية وتحقيق العدالة الإنجابية وإلغاء العنصرية المنهجية. تستمر الفنانات المعاصرات وتعاونيات النسيج التي تقودها النساء بإحياء هذا التراث من خلال إنتاج أعمال فنية تعكس بيئاتهنّ وتقاليدهنّ المحلية. ويظل فنّ النسيج منذ آلاف السنين صلة وصل بين النساء في جميع أنحاء العالم وبين النساء من الأجيال السابقة والقادمة في أسرهنّ ومجتمعاتهنّ.

نتقدّم بالشكر للفنانات في مجال المنسوجات التالية أسماؤهنّ واللواتي ساهمنَ في الأعمال الفنية الواردة في هذا التقرير:

  • نيكا جونز

    نيكا جونز

  • روزي جيمس

    روزي جيمس

  • بايومبي إنداني ممثّلة بمنظمة مشروع المناصرة.

    بايومبي إنداني ممثّلة بمنظمة مشروع المناصرة.

  • ووزا مويا

    ووزا مويا

  • تعاونية نساء تالي اسويت ممثّلة بمنظمة سوق الفن الشعبي

    تعاونية نساء تالي اسويت ممثّلة بمنظمة سوق الفن الشعبي

  • بانكاجا سيثي

    بانكاجا سيثي

نستخدم ملفات تعريف الارتباط والمعرفات الأخرى للمساعدة في تحسين تجربتك عبر الإنترنت. باستخدام موقعنا الإلكتروني توافق على ذلك، راجع سياسة ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا.

X