لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة بدون التأكد من تمتع جميع النساء والرجال والفتيات والفتيان بالكرامة وبحقوق الإنسان بما يتيح لهن ولهم تعزيز القدرات، وصون الصحة الإنجابية وحقوقها، وإيجاد العمل اللائق، والمساهمة في النمو الاقتصادي. ويتطلب وضع سياسات وضخ استثمارات من أجل تأمين ذلك المستقبل المنشود أن تسعى الحكومات إلى معرفة تعداد سكانها والتفاصيل السكانية من حيث الجنس والموقع والتركيبة العُمرية في الحاضر والمستقبل. البلدان ذات الفرصة الديمغرافية الأكبر في مجال التنمية هي البلدان المقبلة على حقبة تكون فيها الفئة العمرية العاملة بصحة جيدة، وحاصلة على تعليم جيد، ولها فرص عمل لائقة، مع انخفاض معدل المعولين الصغار. ويعني الانخفاض العام في عدد أطفال الأسرة -على وجه العموم- ضخ استثمارات أكبر لكل طفل، وتوفير حرية أكبر للنساء للدخول في قوة العمل الرسمية، وتحقيق مدخرات أسرية أعلى لمرحلة الشيخوخة. يمكن أن يعود ذلك -حال تحققه- بثمار اقتصادية كبيرة على المستوى الوطني. وهذا هو "العائدٌ الديمغرافي".

Topic summary

الاستثمارات اللازمة

إنّ تحقيق هذا العائد الديمغرافي يقتضي بذل استثمارات متعددة. ولعلّ أهمها هو بناء قدرات البشر وصون حرياتهم وحقوقهم بما يكفل لهم إطلاق طاقاتهم. كما يحتاج الشباب إلى الفرصة للتحصيل العلمي ومراكمة الخبرة بغية النجاح في بيئة العمل ذات التنافس العالمي التي باتت تتطلب مزيداً من المهارات والتحصيل العلمي والخبرات التخصصية أكثر من أي وقت مضى.

مما يُؤسف له أن فرصة إطلاق طاقات الإنسان وإمكاناته غالباً ما تنحرف عن المسار الصحيح، لا سيما بالنسبة لملايين الفتيات اللاتي يُخرجن من المدارس، ويُرغمن على زواج الأطفال وعلى الحمل المبكر والحمل غير المخطط له، فضلاً عن ضعف الوصول إلى الرعاية الصحية ومحدودية التحصيل التعليمي. وعندما يجد كثيرون أنفسَهم عالقينَ في هذا المسار المحفوف بالفرص المقيّدة والضعف الصحي ومحدودية الإمكانات قد ينعدم العائد الديمغرافي: حيث يصبح وجودُ تركيبة عمرية سكانية ذات معولين أقل عدداً أمراً مُستبعَداً؛ فيما تتقلص على نحو دائم قدرة كل شخص على تطوير قدراته، وعلى الادخار والاستثمار، والتحلي بالمرونة في مواجهة الأزمات، والمجازفة بالابتكار.

بذلك يُعدّ صون حقوق الإنسان - بما في ذلك الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية– مطلباً لازماً لأي مجتمع كي يحقق عائداً ديمغرافياً.

يُظهر التاريخ وجود احتمال حقيقي بفقدان البلدان فرصتها في تحقيق عائد ديمغرافي. فالفرصة لجني العائد الديمغرافي تحين من خلال نافذة محدودة تضيق تدريجياً مع تقدم الجيل العامل في السن. على سبيل المثال شهد أواخر القرن العشرين ظهور عائد ديمغرافي في آسيا. فقد ارتفع إجمالي الناتج المحلي سبعة أضعاف، وهي طفرة اقتصادية عُرفت باسم "المعجزة الاقتصادية الآسيوية". ومع ذلك، لم يزد النمو في أمريكا اللاتينية في خلال الفترة نفسها إلا بمقدار الضعفين، وهو ما ينمّ عن الإتاحة غير المتساوية للاستثمار في التعليم والصحة، بما في ذلك الصحة الإنجابية وحقوق النساء والفتيات.

العائد الديمغرافي هو إمكانية النمو الاقتصادي التي قد تنتج من تحولات في التركيبة العُمرية السكانية، وتتحقق بالأساس عندما تزيد الشريحة العاملة من السكان في المرحلة العُمرية (15 إلى 64) عن شريحتي السكان من غير العاملين من الفئة العمرية (14 عاما فأقل و 65 عاما فأكثر).

ما يتطلبه الأمر

إن تحقيق عائد ديمغرافي يتطلب فهم كل بلد لحجمَ سكانها وخصائص توزيعهم، وتركيبتهم العُمرية الحالية والمتوقعة، ووتيرة النمو السكاني. يتوفر عدد متزايد من أدوات التحليل "للتقييمات السكانية"، بما يختزل الوقت والموارد اللازمة لتحليل الوضع الخاص بالظروف الوطنية. ويجب تحقيق التماهي بين الاحتياجات الوطنية وتتالي الاستثمارات قصيرة ومتوسطة المدى بما يضمن حقوق الشباب كافة في التخطيط لحياتهم، والتحرر من العنف والصدمة، وتمكينهم من الحريات الأساسية والحقوق الإنجابية، والوصول إلى التعليم الجيد والتوجيه المناسب.

تتقلص العوائد حال الافتقار إلى استثمارات آنية في إنشاء الوظائف اللائقة، والحوكمة الرشيدة، والبنية التحتية، وإتاحة أجواء ملائمة لقطاع الأعمال. غير أن جميع أشكال التقدم ستبقى مقيّدة إذا كان تحضير السكان ضعيفاً وتعذر على كل شخص -لا سيما كل فتاة - مواصلة التعليم أو الانتقال بحرية إلى مرحلة البلوغ مع الاطمئنان إلى التمتع بالحقوق الإنسانية. ومن مقومات هذه الطمأنينة حرية اتخاذ القرار من حيث موعد الزواج واختيار الزوج، وتوقيت الإنجاب وعدد مرّاته، والاطمئنان إلى التوازن بين العمل والحياة الأسرية.

demographic

 

جهود صندوق الأمم المتحدة للسكان

تُشكّل حقوق الناس كلهم وكرامتهم ركيزة أصيلة للتنمية. لذا يجتهد صندوق الأمم المتحدة للسكان في سبيل مساعدة البلدان في تحقيق برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، كونه يربط بين الاستثمار في كل إنسان والتنمية المستدامة.

التقدير الاستراتيجي

يتيح صندوق الأمم المتحدة للسكان حزمة متنامية من الأدوات التي تعين البلدان على الوقوف سريعاً على خصائصها السكانية بناءً على مسوحات التعداد والدراسات الاستقصائية السكانية، بما في ذلك أنماط التركيبة العُمرية وتوقعاتها، والمعدلات الحالية لزواج الأطفال، والاحتياجات غير المستوفاة من تنظيم الأسرة، وتغطية وإتاحة خدمات الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، والفوارق بين الجنسين في الالتحاق بالمدارس؛ وغير ذلك من العوامل.

كذلك يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان مراجعات السياسات الوطنية المعنية بالتشريعات وخطط العمل الوطنية ذات الصلة. ويدخل في عداد ذلك حالة القوانين وإنفاذها فيما يخص زواج الأطفال، وحماية حقوق النساء، والسياسات الشبابية، التي تشكل أساساً للتوجيه السياسي بشأن الاستثمارات اللازمة لتحقيق العائد الديمغرافي.

كما يقدم صندوق الأمم المتحدة للسكان توجيهاً واضحاً بشأن "الآثار المضاعفة" للاستثمارات وكيف أن الدعم المقدم لحقوق الشباب وقدراته يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة  على نحو قابل للتنفيذ ومهتدٍ بالنتائج.

بناء رأس المال البشري

يتعاون صندوق الأمم المتحدة للسكان مع البلدان ليساعد على استيفاء حقوق النساء والمراهقات، ولدعم مشاركتهن في صنع القرار بشأن الدراسة. كما يتشارك صندوق الأمم المتحدة للسكان مع البلدان من أجل تقديم معلومات الصحة الجنسية والإنجابية وخدماتها التي تساهم في تحقيق العائد الديمغرافي. ويشمل ذلك برامج تمكين الشباب، وتحسين صحة الأمهات والمواليد الجدد والأطفال، والوصول الشامل إلى وسائل منع الحمل،والوقاية من فيروس العوز المناعي البشري والعلاج منه ومن أنواع العدوى المنقولة جنسياً، والقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي وعلى الممارسات الضارة – مثل زواج الأطفال.

الشراكات الأساسية

لصندوق الأمم المتحدة للسكان حضور تاريخي طويل في بلدان كثيرة في كل أنحاء العالم، مما أسفر عن شراكات قوية وبناء قدرات المؤسسات الوطنية على المدى الطويل. وتنشط وكالات قليلة في الأمم المتحدة في مجالات التنمية على شاكلة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهو ما يكفل لصندوق الأمم المتحدة للسكان القدرة على جمع الشركاء على المستويات كافة (بما في ذلك منظمة العمل الدولية، ورئيس الجمعية العامة، وشعبة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، والمنتدى الاقتصادي العالمي، من بين جهات أخرى) بغية مناصرة الاستثمارات على المستويين العالمي وفي داخل البلدان.

 

آخر تحديث في 5 أيار/مايو 2016